لربما قابلت واحدة من تلك الحشرات العصوية الشهيرة بـ “العصي المشّاية walking sticks” من قبل. تقول أنك لم تر واحدة من قبل؟
هذا طبيعي، فهي تشبه العصا كما قلت! أعني أنك على الأرجح قابلت واحدة لكنك لم تراها أو تلحظ وجودها حتى! ذلك أن الحشرات العصوية أحد أكثر مخلوقات الطبيعة قدرة على التمويه والاندماج مع الطبيعة على سطح الكوكب.
تشبه حشرات العصى Stick insect أعواد ورق وغصون الأشجار التي تعيش عليها، حتى أنها تتأرجح مع الرياح مثلها تمامًا! هناك ما يقارب 3000 نوع من الحشرات العصوية بالبرية حول العالم وتتفاوت أحجماها كذلك بين ما يمكن أن يستقر على إبهام اليد أو يطول بطول الذراع بأكمله! ونتيجة طبيعة الهادئة والساكنة للغاية، فهناك من يتخذها كحشرة أليفة للتربية في المنزل! لا تستغربوا على الإطلاق، فالإنسان متصالح بطبعه مع الكثير من الحيوانات الهادئة غير المضرة حوله، والحشرات العصوية ليست أسوأ من ثعبان الأصلة الضخمة التي يربيها البعض في منازلهم ويتركونها تتجول بحرية هنا وهناك!
وعلى الرغم من أن الحشرات العصوية يمكن تربيتها بالمنازل كحشرة أليفة مسالمة، إلا أنها لا تشتهر بالجمال أو الألوان كما رأيتم بالأعلى. هذه بالطبع القاعدة، لكن هناك دومًا الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، والاستثناء هنا هو فصيلة معينة من الحشرات العصوية… رحبوا معي بالساحرة العصوية اللامعة أكريوبتيرا فالّاكس Achrioptera fallax! ستذهلون من جمالها وروعة ألوانها بالتأكيد!
يتميز ذكور الفالاكس بألوان الأزرق اللامع مع أشواك برتقالية ومستشعرات حمراء براقة، بينما تبقى الإناث منها باللون البني الباهت حيث تفضل التخفي والاندماج مع الطبيعة كبقية فصائل الحشرات العصوية العادية لأسباب تتعلق بالبقاء وحماية نفسها من المفترسين الذين قد يفتكوا بها وببيضها. في الصورة التالية نرى ذكر الفالاكس الصارخ بالألوان مع أنثاه التقليدية!
الشيء المذهل الآخر المتعلق بحشرة الفالاكس العصوية هو أنها لا توجد إلا في مكان واحد فقط على سطح كوكبنا بأكمله … جزيرة مدغشقر الأسطورية بالطبع! جزيرة مدغشقر تحوي عددًا آخر من الكائنات الفريدة التي لا توجد إلا عليها فقط أيضًا، وقد استعرضنا هذا في مقال بديع سابق؛ ويرجع سر هذا التفرد إلى عزلة مدغشقر وانفصالها سابقًا عن قارة إفريقيا! أجل، فمنذ ملايين السنين، كانتا قارة إفريقيا وجزيرة مدغشقر متصلتين ويحويان الفصائل والأنواع الحيوانية نفسها، لكن جراء الإنجراف القاري انفصل الكيانان مما ترك المجال لحيوانات مدغشقر بالتطور بشكل فريد ومنفصل عن كل شيء آخر على هذا الكوكب. وكانت إحدى الكائنات المتوطنة كما خمنتم هي الحشرة العصوية التقليدية، والتي تطورت إلى أكريوبتيرا فالّاكس Achrioptera fallax الفريدة الملونة حصريًا على مدغشقر!
أحد الاختلافات الأخرى الجديرة بالذكر هنا بين الحشرة العصوية العادية والفالاكس هو أن الفالاكس أكثر تعقيدًا عن العصي المشاية العادية. فبينما أغلب حشرات العصي المشاية عزرية التوالد parthenogenetic أي أنها لا تحتاج لذكر للتخصيب والتوالد، فحشرة الفالاكس عزرية التوالد facultative parthenogenesis أي أنها تتكاثر جنسيًا وفي نفس الوقت تستطيع الإناث التكاثر بلا ذكور إذا لم تجد أي منهم في الأرجاء! هذا سبب آخر يجعلنا ننظر بتبجيل ورهبة لهذه الحشرة الغريبة للغاية!
الحشرات العصوية بشكل عام معروف عنها أنها تأكل أي ورقة شجر تقابلها بلا تمييز أو تقييد، ما يجعلها تصنف كآفة زراعية بشكل عام، لكن من يربوا الفالاكس في منازلهم كحشرة أليفة قد أوردوا أنها تفضل أكل التوت البري كذلك وأوراق شجر الكافور. معلومة مهمة لمن ينوي تربية واحدة بالطبع!
فكرة تربية حشرة الفالاكس تبدو مريعة بالنسبة لي، فعلى الرغم من جمال ألوانها البراقة، إلا أنها أثارت على الفور ذكرى فيلم كينج كونج لبيتر جاكسون بمشهد حشرات الأخدود العملاقة. الفالاكس جديرة بالتواجد هناك أو بالأحرى وعلى الأغلب استوحى بيتر جاكسون أو منتج التصميم أشكال بعض الحشرات الكابوسية في ذلك المشهد من حشرة الفالاكس والحشرات العصوية بوجه عام. لا أكاد أتخيل شعور من يحمل الفالاكس على يده أو ذراعه على الرغم من أنها مسالمة تمامًا!
آه نسيت أن أخبركم بأمر مهم: إناث الفالاكس تطير كذلك! هذا كابوس حي! لكني مخطيء في رأيي وشعوري هذا بالطبع وإن لن أستطع تغييره أبدًا… فلنكتف بمراقبتها ومشاهدة صورها على أذرع الآخرين إذن!
مراجع: 1 2 3 4
from عالم الإبداع http://ift.tt/2lak1WX
via IFTTT
0 comments:
Post a Comment